يعد التحكيم الدولي من المسارات المهنية المتميزة للمحامين، نظرًا لما يوفره من فرص للعمل كمحكم في المنازعات التجارية والاستثمارية على المستويين المحلي والدولي. ومع ذلك، فإن دخول هذا المجال والحصول على التعيين الأول يعد أمراً صعبًا، خاصة للمحامين الممارسين، وذلك لأسباب متعددة، منها قلة عدد قضايا التحكيم في بعض الدول، بالإضافة إلى صعوبة منافسة مكاتب المحاماة الكبرى التي تمتلك فريق عمل متخصص يباشر الترافع أمام هيئات التحكيم.
فقديماً، كان بناء ممارسة مهنية في التحكيم الدولي يتم عبر الانضمام إلى مؤسسة تحكيمية أو مكتب محاماة متخصص. ومع ذلك، ومع انتشار المؤسسات التحكيمية إقليماً وعالمياً، واعتماد التحكيم كوسيلة لتسوية غالبية منازعات عقود التجارة الدولية والاستثمار، وانتشار التحكيم الحر في بعض دولنا العربية مثل السعودية واليمن، فلم يعد من المستحيل بناء ممارسة ناجحة في التحكيم الدولي من خلال مهنة المحاماة، وهذا ما أقره العديد من المحامين.
ولكن الموضوع يتطلب جهدًا واستراتيجية واضحة، نظرًا لتنافسية السوق وخصوصية المهارات المطلوبة.
فيما يلي نصائح رئيسية يمكن أن تساعد المحامين الطموحين على بناء ممارسة مهنية ناجحة في مجال التحكيم الدولي، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي
أولاً: الإلمام العميق بقواعد التحكيم الدولي
يتطلب العمل في التحكيم الدولي إلمامًا بالقواعد القانونية والإجرائية المنظمة له، على رأسها القوانين الوطنية المتوافقة مع قانون الأونسيترال النموذجي، إلى جانب القواعد الإجرائية للمؤسسات التحكيمية الدولية مثل غرفة التجارة الدولية (ICC)، والمحكمة الدائمة للتحكيم (PCA)، ومركز لندن للتحكيم الدولي (LCIA)، وغيرها.
كما يجب على الممارس أن يكون ملمًا بالمبادئ الأساسية التي تحكم التحكيم، مثل استقلالية شرط التحكيم، ومبدأ احترام إرادة الأطراف، وأسس تشكيل هيئة التحكيم، وقواعد الإثبات، وتنفيذ الأحكام التحكيمية.
ثانيًا: التكوين المهني والتدريب المستمر
يمثل التدريب المتخصص عنصرًا جوهريًا لبناء الكفاءة المهنية في مجال التحكيم. ويمكن للممارس الانخراط في برامج تأهيلية تقدمها معاهد دولية مرموقة، تُمكنه من اكتساب شهادات مهنية معترف بها دوليًا تعزز من مصداقيته أمام العملاء والمؤسسات.
كما يُنصح بالاطلاع المستمر على المصادر المتخصصة مثل Global Arbitration Review (GAR) ومدونة Kluwer Arbitration Blog، والتي توفر تحديثات مهمة حول أحكام التحكيم الدولية والاتجاهات الحديثة. كما يمكن حضور الندوات والمؤتمرات التي تعقدها المكاتب القانونية والمؤسسات التحكيمية، فضلًا عن كتابة مقالات للنشر في المنصات المتخصصة لتعزيز الحضور المهني في هذا المجال.
ثالثًا: اكتساب الخبرة العملية تدريجيًا
ينبغي للممارس أن يسعى جاهدًا لاكتساب خبرة مباشرة في إدارة إجراءات التحكيم، سواء من خلال العمل في قضايا تحكيم محلية أو التعاون مع محكمين ذوي خبرة، أو من خلال برامج الإرشاد المهني والتدريب العملي التي تنظمها الجهات المهنية.
كما أن العمل كسكرتير لهيئة تحكيم أو مساعد قانوني في القضايا التحكيمية يعد مدخلًا مهمًا لاكتساب فهم عملي لطبيعة الجلسات التحكيمية وطرق إعداد المذكرات والمرافعات.
رابعًا: بناء شبكة علاقات مهنية في مجتمع التحكيم
يتميز مجتمع التحكيم الدولي بأنه محدود ومترابط، ما يجعل التواصل الفعال مع أعضائه ركيزة أساسية لتوسيع فرص العمل. يمكن للممارس الانضمام إلى جمعيات مهنية متخصصة في التحكيم، والمشاركة في المنتديات والمؤتمرات وورش العمل، والانخراط في المجتمعات المهنية التي تجمع المحكمين والخبراء القانونيين من مختلف أنحاء العالم.
كما يُنصح بالمساهمة العلمية من خلال كتابة مقالات وأبحاث قانونية في مجال التحكيم، حيث تسهم هذه الأنشطة في بناء السمعة المهنية وتعزيز الحضور داخل هذا المجتمع المتخصص.
ختامًا، إن بناء ممارسة مهنية ناجحة في مجال التحكيم الدولي يتطلب صبرًا واستمرارية، إذ لا تتحقق النجاحات في هذا المجال بشكل فوري، بل من خلال تراكم الخبرات وبناء الثقة والمصداقية على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم (IAMA) تضطلع بدورٍ بارز في تأهيل المحامين في هذا المجال، إذ تنظم سنويًا المؤتمر العربي للتحكيم، إلى جانب تقديم شهادة متخصصة في إعداد وتأهيل المحكّمين. وتُسهم هذه الجهود في تعزيز المعرفة القانونية، وصقل المهارات العملية في مجالي التحكيم والوساطة، بما يفتح آفاقًا واسعة أمام الممارسين لبناء مسار مهني واعد في هذا القطاع الحيوي.
خلاصة تجارب المحكمين العرب
تبادل اهم الخبرات والمهارات مع اهم المحكمين العرب وجها لوجه في المؤتمر العربي للتحكيم، انضم للمشاركين الان