صدر حكم المحكمة العليا في إنجلترا وويلز بتاريخ 6 يونيو 2025 في القضيتين المضمومتين Ayinde  ضد مجلس بلدية هارينجي، وAl-Haroun  ضد بنك قطر الوطني. ركز الحكم على الاستخدام غير مسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي من قبل بعض الممارسين القانونيين، وما نتج عن ذلك من تقديم مذكرات قانونية تتضمن استشهادات وهمية ومضللة للمحكمة، مما يثير قلقًا جديًا حول كفاءة وانضباط بعض المحامين، وتأثير ذلك على نزاهة النظام العدلي.

2025/06/24

صدر حكم المحكمة العليا في إنجلترا وويلز بتاريخ 6 يونيو 2025 في القضيتين المضمومتين Ayinde  ضد مجلس بلدية هارينجي، وAl-Haroun  ضد بنك قطر الوطني. ركز الحكم على الاستخدام غير مسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي من قبل بعض الممارسين القانونيين، وما نتج عن ذلك من تقديم مذكرات قانونية تتضمن استشهادات وهمية ومضللة للمحكمة، مما يثير قلقًا جديًا حول كفاءة وانضباط بعض المحامين، وتأثير ذلك على نزاهة النظام العدلي.

ملخص الوقائع

أولاً: قضية Ayinde ضد مجلس بلدية هارينجي

تقدم المدعي فريدريك آييندي بطلب مراجعة قضائية ضد مجلس بلدية هارينجي لرفضه توفير سكن مؤقت له، مدعيًا أن ذلك يخالف واجبات المجلس بموجب المادة 188(3) من قانون الإسكان 1996.

وقد مثّله مركز هارينجي القانوني (Haringey Law Centre)، بإشراف المحامي Victor Amadigwe، ومساعدة من المتدربة Sunnelah Hussain، وتولت إعداد مذكرة الطعن المحامية المتدربة .Sarah Forey

وقد تضمن الطعن اقتباسات من خمس سوابق قضائية مزعومة، تبين لاحقًا أنها لا وجود لها إطلاقًا، كما تم تحريف مضمون المواد القانونية المستند إليها.

وعند تنبيه محامي الجهة المدعى عليها إلى عدم صحة هذه الاقتباسات، لم يتم تقديم توضيح، بل تم إرسال رد دفاعي متعنت يقلل من أهمية الخطأ ويصفه بأنه مجرد (خطأ مادي)، دون تصحيح أو سحب.

لاحقًا، تم عقد جلسة أمام القاضي Ritchie J  الذي رفض تبريرات Ms. Forey، وخلص إلى أن التصرف كان غير مهني، ومهمل، وغير مبرر.

ثانيًا: قضية Al-Haroun ضد بنك قطر الوطني

رفع المدعي حمد الهارون دعوى مطالبة مالية بمبلغ يفوق 89 مليون جنيه استرليني ضد بنك قطر الوطني وشركته التابعة، مدعيًا حدوث إخلال باتفاق تمويل.

وقد تقدم بدعم من محاميه عبيد حسين من مكتب Primus Solicitors بشهادة خطية تتضمن 45 مرجعًا قانونيًا، تبين أن 18 منها لا وجود لها أصلًا، بينما الباقي إما محرف أو لا يدعم النقاط القانونية المطروحة.

وقد أوضح المدعي لاحقًا أنه استخدم أدوات ذكاء اصطناعي مجانية للبحث القانوني، وقدم هذه المعلومات لمحاميه، الذي اعتمدها دون أي تحقق أو مراجعة.

رفضت المحكمة طلب المدعي، ووصفت ما حدث بأنه (مقلق للغاية)، وأحالت القضية إلى قاضي اختصاص Hamid  - وهو اختصاص قضائي خاص تم تطويره في المحاكم العليا في إنجلترا وويلز، ويُستخدم لمراجعة سلوك المحامين والممارسين القانونيين عندما يُشتبه في ارتكابهم مخالفات مهنية جسيمة تمس نزاهة الإجراءات القضائية - للنظر في سلوك المحامي.

الدفوع ورد المحكمة

في كلا القضيتين، أنكر المحامون استخدام الذكاء الاصطناعي عمدًا أو بسوء نية، وقدموا اعتذارات للمحكمة، مشيرين إلى ضغوط العمل ونقص الموارد أو الخبرة.

غير أن المحكمة اعتبرت هذا الدفاع غير كافٍ، وأكدت أن المسؤولية المهنية تقع على عاتق المحامي مهما كانت أداة البحث أو الظروف المحيطة، وأن مجرد تقديم معلومات زائفة - حتى وإن لم تكن بنية سوء - يعد سلوكًا غير مهني، وربما يصل إلى حد ازدراء المحكمة في الحالات الجسيمة.

حكم المحكمة وأسانيده القانونية

1.   في قضية  Ayinde 

  • بالنسبة لكلٍ من:
  • Ms. Forey: تم فرض غرامة قدرها 2000 جنيه استرليني وإحالة الأمر إلى نقابة المحامين .(Bar Standards Board)
  • Mr. Amadigwe: أُحيل إلى هيئة تنظيم المحامين (SRA) بسبب سوء الإشراف.
  • Ms. Hussain: بُرئت من أي خطأ أو تقصير.

وقد امتنعت المحكمة عن تحريك دعوى ازدراء ضد Ms. Forey نظرًا لحداثة خبرتها، لكن أكدت أن ما حدث يمثل إخفاقًا مهنيًا خطيرًا، وأن إخفاقها في تقديم تفسير منطقي ينال من مصداقيتها.

2.   في قضية Al-Haroun:

  • تم رفض الطعن.
  • تم انتقاد السيد/حمد الحسين بشدة واعترف بخطئه، وتمت إحالة الأمر إلى SRA.

الأسس القانونية للحكم

  • استندت المحكمة إلى مبادئ أساسية تنص على أن المحامي مسؤول عن كل ما يقدمه للمحكمة، ولا يجوز له الاعتماد على مصادر غير موثوقة مثل أدوات الذكاء الاصطناعي دون تحقق.
  • أشارت إلى قواعد السلوك المهني لكل من نقابة المحامين وهيئة تنظيم المحامين، وخاصة الالتزامات المتعلقة بالأمانة، وعدم تضليل المحكمة، وتقديم خدمات قانونية ذات كفاءة.
  • كما أكدت أن تقديم مراجع وهمية قد يشكل ازدراءً للمحكمة أو حتى جريمة جنائية في الحالات القصوى.

خاتمة

يعد هذا الحكم علامة فارقة في التعامل القضائي مع الاستخدام غير المسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. ورغم أن المحكمة قررت عدم تحريك دعاوى ازدراء ضد الأطراف المعنية، إلا أنها وجهت رسائل تحذيرية شديدة اللهجة إلى المهنة القانونية بأكملها، مؤكدة أن المسؤولية القانونية والأخلاقية لا يمكن تفويضها إلى تقنية مهما كانت متقدمة، وأن حماية نزاهة القضاء تتطلب يقظة مهنية دائمة.