تمييز دبي: لا ولاية للقضاء الوطني في تعديل التدابير المؤقتة الصادرة عن التحكيم
2025/07/29

مقدمة

بجلسة 3 يوليو 2025، أصدرت محكمة تمييز دبي حكماً في الطعن التجاري رقم 657 لسنة 2025. وقد أثار الحكم إشكالية قانونية مهمة تتعلق بحدود سلطة هيئة التحكيم في إصدار التدابير المؤقتة ومدى جواز تدخل القضاء الوطني لإلغائها أو تعديلها. وقد عالجت محكمة تمييز دبي هذه الإشكالية من خلال تأكيدها على مبدأ استقلال هيئة التحكيم وعدم جواز الطعن أمام القضاء الوطني في قراراتها المؤقتة، وهو ما يكرس فاعلية التحكيم كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات.

ملخص الوقائع

أقام المطعون ضده، الدعوى رقم 8 لسنة 2025 أمام محكمة استئناف دبي بطلب الحكم ببطلان قرار تحكيمي مؤقت صادر عن هيئة التحكيم في الدعوى التحكيمية رقم ELU/2817 المنظورة أمام غرفة التجارة الدولية (ICC). وقد قضى القرار المطعون عليه بمنع أي من طرفي النزاع، وحتى صدور الحكم النهائي في دعوى التحكيم، من تقديم أي دعوى أمام أي محكمة بشأن المسائل التي تنظمها مذكرة التفاهم، إلا بإذن كتابي من هيئة التحكيم.

وقد أسس المدعي دعواه على أن القرار المطعون عليه يخالف أحكام الدستور والقانون والنظام العام، كونه يتضمن حرمانه من حقه المشروع في اللجوء إلى القضاء، ويتجاوز حدود التدابير المؤقتة التي يجوز لهيئة التحكيم إصدارها بموجب المادة (21) من قانون التحكيم لسنة 2018، فضلاً عن مخالفته لنصوص مذكرة التفاهم محل النزاع.

وبجلسة 28 أبريل 2025، قضت محكمة الاستئناف بإلغاء القرار التحكيمي واعتباره كأن لم يكن، وألزمت المدعى عليهم بالمصروفات. فطعن المدعى عليهم في هذا الحكم بطريق التمييز، مؤكدين أن القرار المطعون عليه لا يشكل اعتداءً على حق التقاضي، بل هو تدبير مؤقت يدخل ضمن صلاحيات هيئة التحكيم، ولا يجوز لمحكمة الاستئناف التعرض له.

وبعد نظر الطعن، قضت محكمة التمييز بنقض الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بعدم قبول الدعوى لعدم اختصاص المحكمة، باعتبار أن الجهة الوحيدة المخولة بالنظر في تعديل أو إلغاء التدابير المؤقتة هي هيئة التحكيم ذاتها، وفقاً لأحكام قانون التحكيم الإماراتي.

الدفوع ورد المحكمة عليها

دفع الطاعن بأن القرار المطعون فيه يمثل تدبيراً مؤقتاً صادراً عن هيئة التحكيم وفق المادة (21/هـ) من قانون التحكيم لسنة 2018، وأن الجهة الوحيدة المختصة بإلغائه أو تعديله هي هيئة التحكيم نفسها، وليس القضاء الوطني. وأضافوا أن القرار لا يسلب المطعون ضده حقه المطلق في التقاضي، بل يقتصر فقط على المسائل المتعلقة بمذكرة التفاهم محل النزاع.

وقد أيدت محكمة التمييز هذا الدفع، مؤكدة أن المادة (21) من قانون التحكيم منحت هيئة التحكيم وحدها سلطة إصدار التدابير المؤقتة والغائها أو تعديلها، ولا يجوز للقضاء الوطني التدخل في هذه الصلاحية خلال سير إجراءات التحكيم.

المبادئ القانونية التي أرستها محكمة التمييز

1.   حصرية الاختصاص لهيئة التحكيم في التدابير المؤقتة: لا يملك القضاء الوطني إلغاء التدابير المؤقتة الصادرة عن هيئة التحكيم أثناء نظر الدعوى التحكيمية.

2.   عدم المساس بحق التقاضي إلا في بحدود الاتفاق التحكيمي: متى كان المنع مؤقتاً ومحصوراً في نطاق مذكرة التفاهم، فلا يعد مصادرة لحق التقاضي.

خاتمة

رسخت محكمة تمييز دبي في هذا الحكم مبدأً مهماً يعزز مناخ الاستثمار والتحكيم في الدولة، وهو احترام استقلال العملية التحكيمية وعدم جواز تدخل المحاكم الوطنية في قرارات الهيئة خلال سير الدعوى، خصوصاً فيما يتعلق بالتدابير المؤقتة. ويعد هذا الحكم سابقة قضائية راسخة تؤكد التزام الإمارات بأفضل الممارسات الدولية في مجال التحكيم التجاري.