2025/06/25

صدر نظام الإثبات بموجب المرسوم الملكي رقم (م/43) وتاريخ 26/5/1443هـ، في إطار حزمة من التشريعات المتخصصة التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية لتطوير بيئتها العدلية، بما يعزز من فاعلية القضاء ويرسخ مبادئ الشفافية والنزاهة ويحقق العدالة الناجزة. وقد تولّى مركز البحوث بوزارة العدل إعداد شرح علمي لهذا النظام، وصدر الإصدار الأول من شرح نظام الإثبات عام 1446هـ/2024م، متضمنًا بيانًا وافيًا للقواعد الموضوعية والإجرائية الواردة فيه، ومراعيًا لأحدث المستجدات التشريعية والتحولات الرقمية التي تشهدها المملكة.

ويعد هذا النظام أحد أركان التحول التشريعي ضمن رؤية المملكة 2030، حيث ينظم وسائل الإثبات، ويحدد حجيتها، ويكفل حماية الحقوق المدنية والتجارية، ويُراعي التوازن بين متطلبات العدالة وضمانات الخصومة القضائية، بما يواكب التطورات التقنية والتشريعية الحديثة.

النطاق الموضوعي والتطبيقي:

يسري النظام على المعاملات المدنية والتجارية، كما يطبّق على القضايا الجزائية والإدارية في المسائل التي لا يوجد فيها نص خاص، بشرط ألا يتعارض ذلك مع طبيعة تلك القضايا.

منهج النظام في تنظيم الإثبات:

اتخذ النظام منهجًا وسطًا بين المذهب المطلق (الذي يترك للمحكمة الحرية التامة) والمذهب المقيد (الذي يحصر طرق الإثبات)، فاختار المذهب المختلط، حيث:

  • حدد طرق الإثبات وأوزانها.
  • منح المحكمة سلطة تقديرية محدودة، خاصة في القرائن القضائية.
  • حافظ على حيادية القاضي ومنع الحكم بالعلم الشخصي.

الهيكل الأساسي للنظام:

يتضمن النظام:

  • قواعد موضوعية: تحدد طرق الإثبات وحجيتها، ومحل الإثبات، ومن يتحمله.
  • قواعد إجرائية: تنظم كيفية تقديم الأدلة والإجراءات المتبعة أمام المحكمة.

أدلة الإثبات المعتمدة:

يشمل النظام عددًا من طرق الإثبات التقليدية والحديثة:

  • الكتابة والمحررات الرسمية والعرفية.
  • الشهادة بشروطها.
  • الإقرار.
  • القرائن القضائية.
  • المعاينة.
  • اليمين.
  • التقارير الفنية والخبير.
  • الأدلة الرقمية (نقطة تميّز حديثة في النظام).
  • الوسائط الإلكترونية.
  • الاتفاقات المسبقة بين الخصوم حول وسائل الإثبات.

عبء الإثبات وتناوب الخصوم عليه:

يُلقى عبء الإثبات على من يدعي خلاف الأصل أو الظاهر، ويتحدد وفقًا لمراكز الخصوم في كل مرحلة من مراحل الدعوى، وقد يتناوب هذا العبء بحسب دفوع كل طرف وما يقدمه من أدلة.

اتفاقات الخصوم:

أجاز النظام للخصوم الاتفاق على مخالفة قواعد الإثبات (مثل اشتراط الكتابة أو قبول الشهادة)، بشرط أن:

  • يكون الاتفاق مكتوبًا.
  • لا يخالف النظام العام.
  • يتم التمسك به في الوقت المحدد (رفع الدعوى أو المذكرة الأولى).

التحول الرقمي:

واكب النظام التطورات التقنية من خلال:

  • اعتماد الأدلة الرقمية.
  • إضفاء حجية على الوثائق الإلكترونية.
  • تنظيم وسائل الإثبات الجديدة الناشئة عن التكنولوجيا الحديثة، بما يعزز العدالة الوقائية ويحد من النزاعات.

أهمية النظام ومزاياه:

  • تعزيز الشفافية القضائية.
  • تحسين إمكانية التنبؤ بالأحكام.
  • تحقيق العدالة الوقائية وتطوير منظومة الإثبات بما يرسخ الثقة في البيئة القانونية والعدلية في المملكة.

خاتمة:

يمثل نظام الإثبات السعودي مرحلة متقدمة من تطوير البيئة القضائية بما يتسق مع رؤية المملكة 2030، ويعكس تطورًا تشريعيًا في إرساء قواعد الإثبات، وتحقيق التوازن بين العدالة الشكلية والموضوعية، وضمان حقوق الخصوم، وتهيئة بيئة قضائية حديثة متكاملة.