في حكمها الصادر بتاريخ 2 أبريل 2025، أعادت محكمة النقض الفرنسية التأكيد على الخط الفاصل بين المسائل الإجرائية المتعلقة بـالاختصاص والصلاحية وبين المسائل الموضوعية التي تدخل في جوهر النزاع. وقد جاء هذا الحكم في سياق إبطال حكم محكمة استئناف باريس، والذي كان قد أبطل حكمًا تحكيميًا بسبب ما اعتبره خرقًا للشروط الزمنية الواردة في اتفاقية الاستثمار الثنائية بين المملكة المتحدة وأوروغواي لعام 1997.
ملخص الوقائع:
تناولت القضية نزاعًا بين جمهورية الأوروغواي من جهة، وثلاثة مستفيدين من صندوق استثماري تابع لجزر كايمان تم إنشاؤه لتمويل مشروع تعدين في الأوروغواي. وقد ادعى المستفيدون أن تصرفات الأوروغواي كانت السبب في فشل المشروع، مما دفعهم إلى المطالبة بالتعويض بموجب اتفاقية الاستثمار الثنائية بين المملكة المتحدة وأوروغواي.(BIT)
ولكن قررت استئناف باريس عدم اختصاص هيئة التحكيم وبناءً عليه أبطلت الحكم التحكيمي. مما دفع أوروغواي للطعن في الحكم أمام محكمة النقض الفرنسية.
دفعت دولة الأوروغواي بحجتين رئيسيتين أمام محكمة النقض:
- أن شرط اللجوء المسبق إلى القضاء المحلي المنصوص عليه في الاتفاقية يعد شرطًا للاختصاص، وليس مجرد شرط إجرائي متعلق بالقبول.
- أن متطلبات توقيت الاستثمار ونشوء النزاع بعد سريان الاتفاقية تُشكل شروطًا موضوعية، وبالتالي لا يمكن اعتبارها متعلقة باختصاص هيئة التحكيم.
الحكم وأسانيده القانونية:
أولاً، أكدت المحكمة على أن شرط اللجوء إلى القضاء المحلي هو شرط إجرائي يتعلق بالقبول وليس بالاختصاص. وبذلك، فإن هذه المسألة لا تدخل ضمن نطاق الرقابة التي يمارسها قاضي الإلغاء، الذي يقتصر دوره على مراجعة مدى توافر الاختصاص لدى هيئة التحكيم.
ثانيًا، نددت المحكمة بما اعتبرته تدخلاً غير مشروع من قبل محكمة الاستئناف في الجهة الموضوعية للنزاع. فقد استندت محكمة الاستئناف في حكمها إلى عدم توافر الشرط الزمني بالنسبة لتوقيت الاستثمار، وهو ما رأته محكمة النقض مخالفة لحدود اختصاص قاضي الإلغاء، الذي لا يملك النظر في الجوهر أو تقييم صحة تطبيق الشروط الموضوعية للاتفاقية.
وبالتالي، قضت محكمة النقض بإبطال حكم محكمة الاستئناف وإعادة القضية إليها لإعادة النظر فيها.
الخلاصة:
يعد هذا الحكم تأكيدًا جديدًا على التمييز الواضح بين شروط الاختصاص وشروط القبول في إجراءات التحكيم الدولي، خاصة تلك التي تستند إلى اتفاقيات الاستثمار الثنائية.
كما أنه يُعيد التذكير بأن دور قاضي الإلغاء محدود بمراجعة مدى توافر الاختصاص فقط، ولا يجوز له الدخول في تحليل الجهة الموضوعية للقضية أو إعادة تقييم تطبيق الشروط الزمنية أو الموضوعية للاتفاقية.
ومن ثم، فإن المتطلبات الزمنية المتعلقة بسريان الاتفاقية وتوقيت الاستثمار ونشوء النزاع تُصنف على أنها مسائل موضوعية لا تخضع لمراجعة قاضي الإلغاء، بل تدخل ضمن السلطة التقديرية لهيئة التحكيم في تقييم مدى توافرها، ويجب احترام ذلك إلا في حال ثبوت وجود خرق صريح لقواعد الاختصاص.
نقلاً عن: إيوانا نول تيودور (Ioana Knoll-Tudor)
محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد (Addleshaw Goddard)، والسكرتير العام لمؤسسة (Paris Arbitration Week (PAW))، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا (Club Espanol de Arbitraje (CEA) Romania)