2025/06/29

أطلقت المملكة العربية السعودية في 2012 الإصدار الجديد لنظام التحكيم (المرسوم م/34/1433هـ)، مستندة إلى مبادئ الأونسيترال، وموفِّقة بين الضبط الشرعي والالتزام الدولي من خلال تنفيذ اتفاقيات دولية مثل نيويورك 1958 وواشنطن (ICSID)، وبناء شبكة من اتفاقيات الاستثمار الثنائية. إضافةً إلى نظام تنفيذ سريع وفعال، ممهدًا الطريق لتبوُّؤ المملكة مكانة مرموقة كمركز إقليمي للتحكيم.

أولاً: التنظيم التشريعي للتحكيم في السعودية

صدر نظام التحكيم السعودي بموجب المرسوم الملكي رقم (م/34) بتاريخ 24/5/1433هـ (الموافق 16 أبريل 2012م)، وألغى بذلك النظام السابق لعام 1403هـ.

وقد استلهم المشرع السعودي هذا النظام من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، مع إجراء تعديلات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة.

ثانياً: المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم

تنص المادة (2) من نظام التحكيم صراحةً على ما يلي: (... ولا تسري أحكام هذا النظام على المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح.(

وبالتالي فكل المسائل التي لا يجوز فيها الصلح شرعًا أو نظامًا، لا يجوز الاتفاق على إحالتها إلى التحكيم، وهي:

  •  الجرائم المرتبطة بالحدود والقصاص،
  • مسائل الحالة الشخصية التي لا يجوز التنازل عنها،
  • القضايا التي تمس النظام العام أو المصلحة العامة، مثل المسائل الدستورية والضريبية وغيرها.

وذلك تأكيدًا على خصوصية هذه المسائل من حيث وجود الولاية العامة للدولة والقيود الشرعية، الأمر الذي يجعلها خاضعة حصريًا للفصل القضائي.

وتجدير الإشارة إلى، أن النظم السعودية انتقلت من مرحلة حظر التحكيم في المسائل الإدارية لمرحلة السماح بشروط.

ثالثاً: موقف السعودية من الاتفاقيات الدولية

  • اتفاقية نيويورك 1958 – الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية: انضمت المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية نيويورك بموجب المرسوم الملكي رقم م/11 بتاريخ 16/7/1414هـ (الموافق 29 ديسمبر 1993)، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ اعتبارًا من عام 1994.
  • اتفاقية واشنطن (ICSID): بموجب المرسوم الملكي رقم م/8 بتاريخ 22/3/1394هـ (28 سبتمبر 1979)، صادقت المملكة العربية السعودية على الاتفاقية الدولية لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى، المعروفة باسم اتفاقية واشنطن، التي أعدها البنك الدولي.
  • اتفاقيات الاستثمار الثنائية (BITs): تشترك المملكة العربية السعودية في شبكة واسعة من اتفاقيات الاستثمار الثنائية (BITs)، فبحسب بيانات UNCTAD، فإنها طرف في 2847 اتفاقية دولية تتعلق بالاستثمار، من بينها 2222 اتفاقية نافذة وتتمتع بحماية قانونية كاملة.

رابعاً: أبرز القضايا التحكيمية التي كانت السعودية طرفاً فيها

  •  السعودية ضد شركة أرامكو 1958: تعود القضية إلى نزاع في الخمسينيات حول ضرائب الامتياز النفطي، حيث فرضت المملكة ضرائب على أرامكو اعتبرتها الشركة مخالفة لاتفاقيات الامتياز الموقعة بين الطرفين، فلجأت أرامكو إلى التحكيم الدولي وفق بند التحكيم بالعقد، وأصدرت هيئة التحكيم عام 1958 حكمًا لصالح أرامكو، مؤكدة عدم أحقية المملكة في فرض تلك الضرائب بالطريقة التي تمت بها، وألزمتها بإعادة ترتيب النظام الضريبي بما يتوافق مع التزاماتها التعاقدية.
  •  Samsung Engineering Co., Ltd ضد المملكة العربية السعودية (ARB/17/43): قدمت  Samsung Engineering (كوريا الجنوبية) طلب تحكيم بموجب اتفاقية BIT بين السعودية وكوريا لعام 2002، يتعلق بعقد إنشاء محطة كهربائية (EPC)  تم إلغاؤه. وقد انتهى النزاع في 2021 لصالح السعودية.
  • MAKAE Europe SARL  ضد المملكة العربية السعودية (ARB/17/42): قدمت شركة  MAKAE Europe SARL (فرنسا) طلب تحكيم ضد السعودية، بادعاء تعرضها لإجراءات حكومية ضارة بأعمالها في قطاع تجارة الأزياء. قضت هيئة التحكيم بعدم الاختصاص (lack of jurisdiction) لصالح السعودية وأصدرت قرارها في 30 أغسطس 2021.
  • Khadamat Integrated Solutions  ضد المملكة العربية السعودية (PCA Case No. 2019‑24): قدمت  Khadamat Integrated Solutions (الهند) شكوى أمام هيئة PCA  بموجب اتفاقية استثمار ثنائية مع السعودية، حول مزاعم تتعلق بتقديم خدمات عامة. في 7 فبراير 2020، قضت اللجنة بعدم وجود أي لب للمطالبة، وأغلقت القضية نهائياً لصالح السعودية.
  •  Hochtief Infrastructure GmbH ضد المملكة العربية السعودية (ARB/18/14): رفعت الشركة الألمانية Hochtief Infrastructure GmbH  قضية تحكيم في 2018 بخصوص إلغاء عقد توسعة مطار الملك خالد بالرياض. وانتهى النزاع بالتسوية. 

خامساً: تنفيذ أحكام التحكيم في السعودية

تتبع إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم في المملكة العربية السعودية مسارًا محددًا لضمان فعاليتها طبقاً لنظامي التحكيم والتنفيذ بالمملكة، سواء كانت هذه الأحكام صادرة محليًا أو دوليًا.

  • تنفيذ الأحكام التحكيمية المحلية: لتنفيذ حكم تحكيمي محلي، تبدأ العملية بـإيداع أصل حكم التحكيم أو صورة مصدقة منه لدى المحكمة المختصة. وبعد الإيداع، يكتسب الحكم قوة السند التنفيذي ولا يجوز الطعن فيه إلا بدعوى بطلان في حالات محددة وفقاً للقانون. بعد ذلك، يُقدم طلب التنفيذ إلى محكمة التنفيذ المختصة من خلال منصة ناجز الإلكترونية، ويجب أن يُرفق بالطلب: أصل الحكم أو صورة مصدقة منه، صورة طبق الأصل من اتفاق التحكيم، وترجمة معتمدة للحكم إلى اللغة العربية إذا كان صادرًا بلغة أخرى، بالإضافة إلى ما يدل على إيداع الحكم لدى المحكمة المختصة. بعد التحقق من استيفاء الشروط، يُصدر قاضي التنفيذ الأمر بالتنفيذ.
  • تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية: تُنفذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في المملكة العربية السعودية بالاستناد إلى نظام التنفيذ السعودي، مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفًا فيها، وعلى رأسها اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبي وتنفيذها. لتقديم طلب التنفيذ، يُتبع نفس المسار عبر منصة ناجز، مع إرفاق المستندات المماثلة لتلك المطلوبة في الأحكام المحلية (أصل الحكم أو صورة مصدقة، اتفاق التحكيم، والترجمة المعتمدة). تقوم محكمة التنفيذ بمراجعة الطلب للتأكد من استيفاء الشروط المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية المبرمة، وعدم مخالفة الحكم لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة العربية السعودية، وذلك وفقًا للمبادئ العامة لتنفيذ الأحكام الأجنبية. إذا استوفت الشروط، يُصدر أمر التنفيذ ليصبح الحكم الأجنبي قابلاً للتنفيذ داخل المملكة.

خاتمة

 يسهم نظام التحكيم السعودي إلى جانب آليات التنفيذ المتخصصة في ترسيخ بيئة قانونية جاذبة وموثوقة للمستثمرين المحليين والدوليين، من خلال التوافق مع أفضل الممارسات العالمية دون التنازل عن الضوابط الشرعية والوطنية. وقد أثمر هذا التوازن في تحقيق أوامر تنفيذ فعالة وقضايا حسمت لصالح المملكة، بما يعزز مكانتها كوجهة للاستثمار الذكي والناجح. وبهذا، تؤكد السعودية التزامها بتحويل النزاعات إلى فرص تجارية وتعزيز استقلالية العدالة ورؤية 2030، في سبيل بيئة أعمال أكثر شفافية واستقرارًا.