2025/06/25

في عددها الصادر في يونيو 2025، نشرت مجلة Mealey’s International Arbitration Report  مقالاً شاملاً تضمن آراء نخبة من الخبراء والممارسين في مجال التحكيم الدولي حول استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) في هذا المجال، مع التركيز على مدى مساهمتها في تحسين الكفاءة وتقليص التكاليف وتسريع الإجراءات. وقد أجمعت الآراء على أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة واعدة في سياق التحكيم، وإن كانت محفوفة بعدد من التحديات والمخاطر التي تستدعي الحذر والتنظيم المهني.

أولاً: الاستخدامات الحالية لأدوات الذكاء الاصطناعي في التحكيم

أكد العديد من الخبراء أن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت تُستخدم بفعالية في مراحل متعددة من عملية التحكيم، من أبرزها:

  • تنظيم وتلخيص الوثائق والأحكام التحكيمية، وهو ما يوفر وقتًا كبيرًا كان يُستهلك في المراجعة اليدوية.
  • مراجعة المستندات واستخراج البيانات الجوهرية، لا سيما باستخدام منصات مثل Relativity  و Harvey، والتي تُساعد في فرز الوثائق ذات الصلة وتحديد المستندات المهمة.
  • تحليل الأدلة الفنية وتقارير الخبراء، باستخدام منصات قادرة على كشف التناقضات والافتراضات المنهجية.
  • ترجمة الوثائق وتوليد المسودات الأولية، مما يُعزز من فعالية الفرق القانونية عبر الحدود.

ثانياً: مزايا الذكاء الاصطناعي في السياق التحكيمي

أبرزت المشاركات فوائد متعددة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، من أهمها:

  • تقليص المدد الزمنية لمراحل الإجراءات التحكيمية المختلفة.
  • توفير التكاليف عبر تقليص الجهد البشري في الأعمال المتكررة أو الفنية.
  • تحسين جودة التحليل القانوني من خلال أدوات توليد النصوص وتحليل السوابق.
  • التنبؤ بسلوك المحكمين ونتائج القضايا، من خلال نماذج تحليل البيانات والأحكام السابقة.

ثالثاً: التحديات القانونية والأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي

رغم الفوائد المتعددة، أبدى الخبراء تحفظات بشأن المخاطر الكامنة، وأبرزها:

  • غياب الشفافية في استخدام بعض الأطراف للذكاء الاصطناعي دون إفصاح.
  • محدودية الموثوقية، حيث تُظهر بعض الأدوات نتائج غير دقيقة أو هلوسات، مما قد يضلل المستخدم.
  • خطر تفويض المهام القضائية للآلة، وهو ما قد يُهدد استقلالية المحكم وحقوق الدفاع.
  • الانحيازات المحتملة الناتجة عن بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي، والتي قد تؤثر في الحياد.

رابعاً: مواقف مؤسسية وتنظيمية

أشار التقرير إلى مبادرات عدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في التحكيم، منها:

  • إرشادات المجمع الملكي البريطاني للمحكمين المعتمدين (CIArb) التي تشدد على ضرورة عدم تفويض القرار للمساعد الذكي.
  • مبادئ مركز وادي السيليكون للتحكيم والوساطة (SVAMC) التي تتناول قضايا السرية والدقة والشفافية.
  • إرشادات غرفة استوكهولم للتجارة (SCC) حول جودة الأدوات وصلاحية استخدامها في العملية التحكيمية.

خامساً: آفاق مستقبلية واعدة مشروطة بالضبط المهني

اتفق الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي سيُصبح جزءًا لا يتجزأ من بيئة التحكيم خلال السنوات المقبلة، بشرط مراعاة الجوانب التالية:

  • التحقق البشري المستمر للمخرجات، مع الإبقاء على دور المحامي والمحكم في مركز القرار.
  • تبني سياسات مؤسسية واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومهني.
  • تعزيز ثقافة الكفاءة المهنية لمواكبة التطورات التقنية.

خاتمة

يشكل الذكاء الاصطناعي أداة مساندة قوية في التحكيم الدولي، تتيح تعزيز الكفاءة وتسريع الإجراءات وخفض التكاليف. غير أن استخدامه يتطلب إطارًا تنظيميًا رشيدًا يضمن الشفافية، ويصون المبادئ الأساسية للعملية التحكيمية، وعلى رأسها الحياد، والاستقلالية، وحق الدفاع. وبينما يخطو الذكاء الاصطناعي خطوات متسارعة نحو الترسخ في الممارسة القانونية، فإن نجاحه في التحكيم الدولي سيظل مشروطًا بمدى قدرتنا على توظيفه بوعي ومسؤولية.