مشروعات الهندسة والإنشاءات والتحكيم في الشرق الأوسط وأفريقيا اتجاهات حديثة وتطورات تشريعية وقضائية
2025/07/07

مقدمة

يستعرض هذا المقال - نقلاً عن GAR- الاتجاهات الحديثة والتطورات القانونية والقضائية المرتبطة بالمنازعات الهندسية والإنشائية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا خلال العام الجاري، بما في ذلك استعراض لأهم قضايا التحكيم التي شهدتها المنطقة، والتطورات التي طرأت على القواعد والإجراءات ومراكز التحكيم، والتحديات العملية في ظل تعدد الأنظمة القانونية المطبقة في المنطقة.

اتجاهات إقليمية: صعود المشروعات الخضراء العملاقة

شهدت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا طفرة في المشروعات العملاقة، لاسيما تلك الموجهة نحو التحول الأخضر. ففي السعودية، بدأ العمل في مشروع المربع الجديد في الرياض، ضمن رؤية المملكة 2030، والذي يضم المكعب بارتفاع 400 متر ويهدف إلى إنشاء مركز حضري حديث متعدد الاستخدامات. وفي سلطنة عمان، أبرمت شركة هايدروم عقودًا بقيمة 11 مليار دولار أمريكي لتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما في ذلك إنشاء محطة أمونيا جديدة ومنشآت للطاقة المتجددة. كما أبرمت مصر عقودًا لإنشاء محطة طاقة رياح برية في رأس غارب بالتعاون مع شركة مصدر الإماراتية لإنتاج 810,000 ميجاوات/ساعة سنويًا.

وفي أفريقيا، تزايدت مبادرات التنمية المستدامة في القطاع الإنشائي، إذ أطلقت رواندا مشروع مدينة كيجالي الخضراء في سبتمبر 2024، لتعزيز التنمية الحضرية المستدامة، على أن يبدأ تنفيذ المرحلة التجريبية في 2025 بقيمة تقديرية 1.5 مليار دولار أمريكي. كما تمضي رواندا قدمًا في إنشاء مطار كيجالي الدولي الجديد بالتعاون مع الخطوط الجوية القطرية ومقاولين دوليين.

ومن جهة أخرى، يواصل مشروع ممر لوبتو في جنوب أفريقيا تعزيز البنية التحتية لتسهيل صادرات المعادن الهامة للطاقة النظيفة، حيث تم في أغسطس 2024 تصدير أول شحنة نحاس عبر السكك الحديدية من الكونغو إلى الولايات المتحدة. كما تعمل ناميبيا على تنفيذ استراتيجية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة تصل إلى 15 مليون طن سنويًا بحلول 2050، عبر مشاريع كبرى مثل قرية داورس للهيدروجين الأخضر ومشروع هايفن للهيدروجين، ما يعزز موقعها كمركز محوري للطاقة النظيفة.

المنازعات المرتبطة بالمشروعات الكبرى

ترافقت هذه المشروعات مع منازعات تحكيمية كبيرة، منها النزاع الذي رفعته شركة دانا غاز الإماراتية ضد إنرفليكس الكندية بشأن مشروع لمعالجة الغاز الطبيعي في العراق نتيجة تأخر المشروع بسبب ظروف قهرية، وكذلك نزاع بي بي ضد ماكديرموت بقيمة 530 مليون دولار أمريكي بسبب إنهاء مبكر لعقد تركيب خطوط أنابيب بحرية في السنغال وموريتانيا. وفي الجزائر، رفعت سونلغاز دعوى بقيمة 413 مليون يورو ضد دورو فليجويرا الإسبانية بشأن تعليق أعمال بناء محطة طاقة حرارية. وفي غانا، رفع ائتلاف دعوى تحكيمية بقيمة 3.7 مليار دولار أمريكي ضد هيئة حكومية غانية بشأن إنهاء امتياز تطوير محطة لوجستية.

تطورات في بيئة التحكيم في الشرق الأوسط وأفريقيا

شهدت المنطقة تطورات ملموسة في التحكيم، حيث أظهر تقرير مركز دبي للتحكيم الدولي لعام 2023 زيادة بنسبة 11% في القضايا، مع استمرار سيطرة قضايا البناء والعقار بنسبة 60% من إجمالي القضايا. كما أظهرت إحصاءات محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA زيادة مشاركة أطراف من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في التحكيم الدولي، خاصة السعودية التي ارتفعت حصتها من 0.8% في 2022 إلى 4.2% في 2023.

ومن التطورات المهمة إصدار مركز القاهرة الإقليمي قواعد التحكيم الجديدة 2024، والتي تضمنت تنظيمًا لدمج القضايا والتحكيم متعدد العقود والتمويل من الغير، مع إدماج تقنيات التحكيم عن بعد. وفي الإمارات، أُنشئ مركز أبوظبي الدولي للتحكيم arbitrateAD ليحل محل مركز أبوظبي للتوفيق والتحكيم التجاري، مزودًا بمحكمة تحكيم مستقلة وآليات للتحكيم العاجل.

أما في أفريقيا، فقد تبنت مالاوي قانون التحكيم الدولي 2024 استنادًا إلى قانون الأونسيترال النموذجي، لتعزيز بيئة التحكيم بما يتوافق مع اتفاقية نيويورك 1958. وفي نيجيريا، أكدت المحكمة العليا على الطبيعة غير القابلة للطعن للأحكام التحكيمية، مع رفض محاولات تعطيل التنفيذ عبر طعون متعددة.

كما يستمر مركز كيجالي الدولي للتحكيم في جذب الانتباه، حيث سجل أكثر من 200 قضية، منها 40% قضايا دولية، ويستعد لاستضافة مؤتمر ICCA لأول مرة في يونيو 2025.

ملاحظات قضائية حول التحكيم في الإمارات

شهدت الإمارات جدلًا قضائيًا بشأن أحقية المحكمين في إلزام الأطراف بدفع أتعاب المحاماة والخبراء، حيث قضت محكمة التمييز في دبي في البداية بعدم جواز ذلك إلا بنص صريح، ثم عدلت عن موقفها في نوفمبر 2024 وأكدت أن قواعد ICC تتيح للمحكمين الحكم بأتعاب معقولة. كما أصدرت المحكمة حكمًا مهمًا بعدم صحة اتفاق التحكيم الأحادي الذي يتيح لطرف دون الآخر اختيار اللجوء للتحكيم أو القضاء، معتبرة أنه لا يشكل اتفاقًا ملزمًا باللجوء للتحكيم وفق القانون الإماراتي.

خاتمة

تبرز الاتجاهات الحديثة في الشرق الأوسط وأفريقيا تصاعد الاهتمام بالمشروعات العملاقة الخضراء والحلول المستدامة، مع استمرار التحكيم كوسيلة مفضلة لتسوية النزاعات الهندسية والإنشائية في المنطقة. وتُظهر التطورات في القواعد والتشريعات القضائية والتحكيمية عزم المنطقة على تعزيز بيئة التحكيم، بما يدعم تدفق الاستثمارات واستقرار العلاقات التعاقدية في قطاعات الهندسة والإنشاءات، ويؤكد التوجه نحو تفعيل دور التحكيم في تحقيق العدالة الناجزة والفصل الفعال في المنازعات المتعلقة بهذه المشروعات الحيوية.

المؤتمر العربي للتحكيم

كن على اطلاع باهم مستجدات التحكيم خلال المؤتمر العربي السادس للتحكيم، سجل الان