شهدت العقود الثلاثة الماضية تطورًا متسارعًا في مجال التمويل من الغير، سواء في سياق التقاضي أمام المحاكم أو في إجراءات التحكيم. ويعد هذا التطور مؤشرًا مزدوجًا؛ فهو من جهة يمثل توسعًا في نطاق الوصول إلى العدالة، ومن جهة أخرى يطرح تحديات تنظيمية وقانونية أمام الأطراف والهيئات المعنية بتسوية المنازعات، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الممولين والأطراف المُموَلة.
وفي الوقت الذي استجابت فيه بعض المحاكم الوطنية لتزايد استخدام التمويل من الغير عبر فرض قواعد تلزم بالإفصاح عن بعض تفاصيل ترتيبات التمويل، فإن الوضع يختلف نسبيًا في سياق التحكيم. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أهمها أن إجراءات التحكيم قائمة على اتفاق تعاقدي بين أطراف النزاع، وغالبًا ما تكون ذات طبيعة سرّية، وهو ما يجعل إدخال طرف ثالث (الممول) عنصرًا استثنائيًا يستلزم مراعاة خصوصية هذه الإجراءات.
ويُبرز (CIArb) في إرشاداته الخاصة بهذا الموضوع تميز التحكيم عن التقاضي في بعض النظم القانونية، وذلك من خلال تمكين هيئة التحكيم من الحكم للطرف المُمَوَّل بمصاريف التمويل من الغير، حال كونه الطرف المنتصر في النزاع. وهو خيار نادرًا ما يكون متاحًا في القضاء الوطني.
وتبقى الممارسات المتعلقة بالتمويل من الغير في التحكيم متغيرة ومتطورة باستمرار، سواء على الصعيد التشريعي أو التنظيمي أو من خلال القواعد المؤسسية. لذا تؤكد هذه الإرشادات أنها تمثل نظرة عامة، وليست قواعد ملزمة، إذ تختلف التفاصيل بحسب القانون الواجب التطبيق على الأطراف والممول ومقر التحكيم وأي إجراءات قضائية ذات صلة في المحاكم الوطنية.
ومن ثم، ينبغي للأطراف القانونية والممارسين في مجال التحكيم أن يراعوا هذه التطورات عند التعامل مع ترتيبات التمويل من الغير، وأن يتخذوا الاحتياطات القانونية الملائمة وفقًا للظروف الخاصة بكل نزاع.