كيف تفسر المحاكم الفرنسية وتطبق أحكام اتفاقيات الاستثمار الثنائية

اختصاص هيئة التحكيم: كيف تفسر المحاكم الفرنسية وتطبق أحكام اتفاقيات الاستثمار الثنائية (BITs) فيما يتعلق باختصاص هيئة التحكيم؟ يسلط حكم محكمة استئناف باريس بتاريخ 26 سبتمبر 2023 الضوء على نهج المحاكم الفرنسية في ذلك.

يدور الحكم حول نزاع نشأ بين شركة طيران كندا ودولة فنزويلا، حيث أنشأت شركة طيران كندا فرعًا في فنزويلا وتم ترخيصها كناقل جوي تجاري، استنادًا إلى اتفاقية النقل الجوي (ATA) بين البلدين. نفذت فنزويلا لاحقًا نظامًا للرقابة على الصرف يحدد توزيع وشراء وبيع العملات الأجنبية ويتطلب من الشركات تقديم طلبات للحصول على إذن باقتناء العملات الأجنبية.

بعد عام 2012، لم يتم الموافقة على أي من طلبات طيران كندا لتحويل إيرادات البوليفار الخاصة بها (بإجمالي 50 مليون دولار)، مما دفع الشركة إلى اللجوء إلى التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار(ICSID)  بموجب اتفاقية الاستثمار الثنائية (BIT) الموقعة بين كندا وفنزويلا لعام 1996. فتوصلت هيئة التحكيم إلى أن فنزويلا انتهكت التزامها بموجب اتفاقية الاستثمار الثنائية بالسماح بـ "النقل الحر للرصيد"، وبناءً عليه منحت طيران كندا حكماً بـ 20.8 مليون دولار كتعويض.

فلجأت فنزويلا إلى محكمة استئناف باريس مطالبةً بإلغاء حكم التحكيم على أساس عدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع، وهو ما رفضته محكمة استئناف باريس، وعللت المحكمة ذلك بأن الالتزام باللجوء إلى التحكيم خلال المدة القانونية المحددة في اتفاقية الاستثمار الثنائية بـ3 سنوات (الاختصاص الزمني) هو شرط لقبول الدعوى، وليس شرطاً لموافقة فنزويلا على التحكيم. وهذا يعني أنه كان على هيئة التحكيم أن تنظر من تلقاء نفسها فيما إذا كانت المطالبة قد قدمت في غضون المهلة الزمنية البالغة 3 سنوات، حتى لو لم تكن فنزويلا قد أثارت مسألة الاختصاص.

وفيما يتعلق بالاختصاص الموضوعي، رأت محكمة الاستئناف في باريس أن تنازل شركة طيران كندا عن حقها في بدء أو مواصلة إجراءات أخرى فيما يتعلق بالنزاع هو مسألة إجرائية وليس شرطاً من شروط الاختصاص. وهذا يعني أن المحكمة لم تكن بحاجة إلى موافقة فنزويلا للنظر في تنازل شركة طيران كندا.

كما رأت المحكمة أن التنازل هو شرطاً إجرائياً يجب الوفاء به لقبول مطالبة شركة طيران كندا. وأشارت المحكمة أيضاً إلى أن اتفاقية الاستثمار الثنائية لا تتطلب صراحة موافقة فنزويلا على التنازل.

كما قضت استئناف باريس بأن استثمار شركة طيران كندا يندرج تحت التعريف القانوني الواسع للاستثمار. ورأت المحكمة أيضا أن اختبار ساليني Salini Test غير قابل للتطبيق في هذه الحالة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اختبار ساليني Salini Test، هو اختبار تجريه هيئات التحكيم لتحديد ما إذا كان الاستثمار محمياً بموجب اتفاقية ثنائية، وذلك من خلال أربع معايير:

1.   المساهمة: إذ يجب أن يكون الاستثمار قد ساهم في اقتصاد الدولة المضيفة.

2.   المخاطر: يجب أن يكون المستثمر قد تحمل بعض المخاطر في القيام بالاستثمار.

3.   المدة: يجب أن يكون للاستثمار مدة معينة.

4.   العوائد: يجب أن يتوقع المستثمر الحصول على عائد معين على استثماره.

واستنتجت المحكمة أن تعريف الاستثمار في اتفاقية الاستثمار الثنائية كان واسعاً بما يكفي ليشمل استثمار شركة طيران كندا في فرعها الفنزويلي. ولاحظت المحكمة أيضاً أن اتفاقية الاستثمار الثنائية تتضمن لجوءً غير مشروط للتحكيم، مما يعني أن فنزويلا وافقت مسبقاً على اللجوء إلى التحكيم لنظر أي منازعات تنشأ عن اتفاقية الاستثمار.

كما رفضت المحكمة ادعاء فنزويلا بأن شركة طيران كندا لم تكن" مستثمراً " بموجب اتفاقية الاستثمار الثنائية. ورأت المحكمة أن شركة طيران كندا مستثمرة لأنها تأسست بموجب القانون الكندي ولا تحمل الجنسية الفنزويلية.

وكانت فنزويلا قد دفعت بأن اتفاق المساعدة التقنية يشكل قاعدة خاصة تحل محل اتفاقية الاستثمار الثنائية. واحتجت فنـزويلا بأن أحكام الاتفاق المتعلق بتسوية المنازعات أكثر تحديداً من أحكام اتفاقية الاستثمار بشأن تسوية المنازعات، وبأن الاتفاق المتعلق بتسوية المنازعات هو بالتالي الاتفاق الحاكم في هذه القضية.

ومع ذلك، رفضت محكمة استئناف باريس حجة فنزويلا. ورأت المحكمة أن اتفاقية المساعدة التقنية واتفاقية الاستثمار الثنائية اتفاقيتان متكاملتان، وأن أياً من الاتفاقيتان لم تحل محل الأخرى. كما رأت المحكمة أيضاً أن أحكام الاتفاق المتعلق بتسوية المنازعات لا تتعارض مع وجود أطراف من غير الدول.

يوفر هذا الحكم رؤى قيمة حول كيفية تفسير المحاكم الفرنسية لأحكام اتفاقيات الاستثمار الثنائية فيما يتعلق باختصاص هيئات التحكيم، كما أنه يؤكد أن اختصاص هيئات التحكيم (أولاً) يتأثر فقط بشروط الموافقة على التحكيم، (ثانياً) يتم تحديده من قِبل اتفاقية الاستثمار الثنائية فقط، و (ثالثاً) لا يتأثر مشروعية الاستثمار.

نقلاً عن:  إيوانا نول تيودور  (Ioana Knoll-Tudor)

محامية تحكيم دولي، وشريك بشركة أدليشو جودارد (Addleshaw Goddard)، والسكرتير العام لمؤسسة (Paris Arbitration Week(PAW))، ونائب رئيس نادي التحكيم الاسباني برومانيا (Club Espanol de Arbitraje (CEA) Romania)

لتحميل نص الحكم

شهادة المحكم المحترف

إنضم إلينا في شهادة إعداد وتأهيل المحكم المحترف 80 ساعة ⏰، واكتسب المهارات التالية:

• مهارات صياغة اتفاق التحكيم.
• مهارات إدارة جلسات التحكيم.
• مهارات صياغة حكم التحكيم.
• الإدارة الفاعلة للدفاع لقضايا التحكيم