المحامي وليد عثمان

المحامي وليد عثمان

شريك مؤسس شورى للمحاماة والتحكيم رئيس الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم .
17/06/2025

بجلسة ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣، أصدرت محكمة تمييز دبي حكمها في الطعن رقم ١٢٢٢ لسنة ٢٠٢٣، وتثير الدعوى عدد من إشكاليات قانونية؛ حيث تثير مسائل تتعلق بمدى اعتبار الاخلال بمتطلبات العرض على المهندس الاستشاري قبل تحريك دعوى التحكيم (وفقا للبند 67 عقد فيديك) سبباً لإبطال حكم التحكيم، كما تثير مسألة مدى جواز الطعن ببطلان حكم التحكيم لبطلان شرط التحكيم سبق التمسك به، تأسيساً على أن من وقّع عليه لم يكن مفوضًا بالتوقيع، وأن الوكالة التي استند إليها الوكيل لم تتضمن نصًا صريحًا يجيز له إبرام اتفاق تحكيم.

يسلط المقال الضوء على المبادئ القانونية المستفادة من هذا الحكم ويحلل أبعاده في ضوء قانون التحكيم الإماراتي رقم 6 لسنة 2018، مع مقارنته مع الاتجاهات القضائية الدولية في هذا الشأن.

أولاً: الوقائع والدفوع والمبادئ القانونية

أقام رب العمل (الطاعن) طلب ابطاله حكم التحكيم على أن الدعوى التحكيمية قد أُقيمت قبل الأوان؛ حيث أُقيمت في 24/9/2019 قبل استنفاد مدة 84 يوماً المقررة في البند رقم 67/1 في عقد فيديك النموذجي الخاص بعقود المقاولات لإصدار المهندس قراره من تاريخ لجوء المطعون ضدها إليه بتاريخ 8/8/2019 لتسوية النزاع.

إلا أن المحكمة رفضت دفعه، وقد أسست حكمها على أن " المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الشروط المسبقة على التحكيم (preconditions to arbitration) كعرض النزاع على المهندس الاستشاري قبل اللجوء إلى التحكيم- لا تُعد من المسائل المتعلقة باختصاص هيئة التحكيم (questions of jurisdiction) أي المسائل التي تحدد ما إذا كانت الجهة المنوط بها الفصل في النزاع هي هيئة التحكيم أم محاكم الدولة، وإنما من المسائل المتعلقة بما إذا كانت الطلبات الموضوعية المثارة في الدعوى التحكيمية يمكن سماعها في ذلك الوقت أو يحول مانع قانوني دون ذلك كرفعها مثلًا قبل الأوان (questions of admissibility) ، آية ذلك أن عدم تحقق أي من الشروط المسبقة على التحكيم لا يعيد سلطة الفصل في النزاع إلى محاكم الدولة مرة أخرى، وإنما من شأنه - في أقصى مدى - أن يؤجل سماع الدعوى عن طريق التحكيم إلى حين استيفاء الشروط المسبقة التي اتفق عليها الطرفان، فيظل التحكيم هو الجهة صاحبة الاختصاص بالفصل في النزاع. ومؤدى هذه التفرقة، أن المسائل المتعلقة بإمكانية سماع الطلبات الموضوعية في وقت ما تخضع للسلطة التقديرية لهيئة التحكيم ولا يبسط عليها قضاء الدولة رقابته إلا في أضيق الحدود لضمان عدم الإخلال بحق الدفاع أو مخالفة النظام العام للدولة، بعكس رقابة القضاء على قرارات هيئة التحكيم فيما يتعلق باختصاصها"

كما دفع رب العمل (الطاعن) ببطلان شرط التحكيم الوارد في العقد، استنادًا إلى أن من وقّع عليه لم يكن مفوضًا بالتوقيع على اتفاق التحكيم تحديدًا، وأن الوكالة التي استند إليها الوكيل لم تتضمن نصًا صريحًا يجيز له إبرام اتفاق تحكيم، استناداً للمادة (٤) من قانون التحكيم التي تنص على أنه " لا ينعقد الاتفاق على التحكيم إلا من الشخص الطبيعي الذي يتمتع بأهلية التصرف في الحقوق أو من ممثل الشخص الاعتباري المفوض في إبرام الاتفاق على التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاً."

إلا أن المحكمة رفضت الدفع، وأسست حكمها على أنه " إذا كان الاتفاق على التحكيم لا يصح إلا ممن له أهلية التصرف في الحق المتنازع عليه أو من ممثل الشخص الاعتباري المفوض بتفويض خاص للتحكيم، وأن تصرف الوكيل خارج حدود وكالته لا يلزم الأصيل إلا بإجازة صريحة أو ضمنية، إلا أنه متى ثبت أن الطاعن قد أقر ضمنياً بصحة شرط التحكيم وسريانه، من خلال سَبٌق تمسكه بنفسه بالدفع بوجود شرط التحكيم وقُبول دفعه، بالتالي لا يُقبل بعد ذلك أن يعترض على صحة اتفاق التحكيم بالتنصل عما سَبق أن تمسك ودفع به أمام المحاكم، إذ يسقط حقه في إثارة هذا الدفع". كما أضافت بأن " رفع الطاعن دعوى مقابلة أمام التحكيم يعتبر إجازة لاتفاق التحكيم"

ثانياً: التوافق القانوني

جاء الحكم متوافق مع غاية المادة (٢٥) من قانون التحكيم الإماراتي رقم ٦ لسنة ٢٠١٨ على التنازل عن حق الاعتراض أنه " إذا استمر أحد الأطراف في إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لاتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته، ولم يقدم اعتراضاً على هذه المخالفة .....، اعتبر ذلك منه نزولاً عن حقه في الاعتراض."

ويستفاد من هذا النص أنه السكوت عن التمسك ببطلان اتفاق التحكيم يعد تنازلاً عن الحق في الاعتراض عليه، فمن باب أولى من استفاد من شرط التحكيم وتمسك به أمام القضاء لا يعد متنازلاً عن الحق في الاعتراض عليه فقط، بل يعد موجزاً له أيضاً، حتى وإن كان الموقع على شرط التحكيم لا يملك صلاحية ذلك، فالإجازة اللاحق كالإذن السابق وفقاً للمواد ١٥٦ و٩٣٠ من قانون المعاملات المدنية الإماراتي رقم (٥) لسنة ١٩٨٥.

ثالثًا: التحليل القانوني والمقارنة الدولية

1.  الإقرار الضمني لاتفاق التحكيم

يعتبر الإقرار الضمني لاتفاق التحكيم سلوك كافي لإثبات قبوله وإجازته، وهذا الأمر يتوافق مع غاية المادة (٤) قانون الأونسيترال النموذجي (UNCITRAL Model Law).

كما أن اعتبار عدم استيفاء الإجراءات المسبقة على التحكيم ليست من مسائل اختصاص هيئة التحكيم يتوافق مع الاتجاهات القضائية الدولية، مثال ذلك موقف القضاء في سنغافورة، في قضية (BBA and others v BAZ and another appeal [2020] 2 SLR 453)، وأيضاً قضية (BTN and another v BTP and another [2021] 1 SLR 276)

2.  التوافق مع المبادئ الدولية المستقرة

فقد منعت المحكمة الطاعن من الاستفادة من موقف قانوني معين، بسبب تبنيه لموقف مخالف والاستفادة منه؛ وبذلك يتوافق الحكم مع المبدأ الدولي المستقر، وهو مبدأ الإستوبل (Estoppel) أو مبدأ عدم التناقض، والذي يعني أنه من سعي في نقض ما بني على يده فسعيه مرد عليه.

رابعاً: أثر الحكم على واجبات المحامين أمام هيئات التحكيم

الحكم يوجه رسالة واضحة للمحامين والمستشارين القانونين، بوجوب إثارة الدفوع المتعلقة برفع الدعوى التحكيمية قبل الأوان والمتعلقة ببطلان اتفاق التحكيم في المواعيد القانونية أثناء نظر الدعوى التحكيمية وبشكل واضح وجازم؛ حيث أن المثول أمام هيئات التحكيم ومناقشة موضوع النزاع يسقط الحق في الاعتراض والطعن بالبطلان على حكم التحكيم تأسيساً على تلك الدفوع.

ختاماً

يجسد الحكم العديد من المبادئ القانونية التي تسهم في دعم منظومة التحكيم في الإمارات، وتعزز من الاستقرار القانوني وتحد من الاستغلال المتعسف للإجراءات القضائية، وتتوافق مع الاتجاهات القضائية المستقرة دولياً، ويدعم الإمارات كمقر إقليمي آمن وجاذب لتسوية المنازعات من خلال التحكيم.