15/07/2025

يشهد قطاع الإنشاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالة من الترقب لارتفاع ملموس في النزاعات، مدفوعًا بتأخيرات التنفيذ، وتجاوز التكاليف، والتعديلات المستمرة على نطاق الأعمال. وقد أظهرت الأبحاث أن هذه النزاعات أصبحت أكثر ارتباطًا بالتعقيد المالي وضغوط الجداول الزمنية، لا سيما في المشاريع الكبرى ذات الأهمية الاستراتيجية مثل المدن الذكية، وشبكات النقل، ومشاريع الطاقة المتجددة.

ووفقًا لمسح أجرته شركة Hogan Lovells  بالتعاون مع جامعة ميدلسكس دبي، فإن أكثر من 80% من المقاولين والمطورين المشاركين في الاستطلاع يتوقعون زيادة النزاعات خلال السنوات الثلاث المقبلة، على الرغم من الأهمية الوطنية لمشاريع البنية التحتية الجاري تنفيذها في المنطقة. وأشار البحث إلى تصاعد المخاوف في المملكة العربية السعودية، حيث يزيد تعقيد المشاريع وضخامة قيمتها المالية والجداول الزمنية المتسارعة من احتمالية حدوث النزاعات.

وفي سياق متصل، أظهرت دراسة لشركة الاستشارات HKA  لعام 2024 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أسوأ المناطق أداءً من حيث تأخيرات المشاريع، حيث تزيد هذه التأخيرات من الجداول الزمنية بنسبة 83% مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 68%، ويرجع ذلك أساسًا إلى التعديلات المستمرة في نطاق الأعمال والتي تؤثر على أكثر من نصف مشاريع الإنشاءات في المنطقة.

وقد أشار إيمرسون هولمز، الشريك في شركة Hogan Lovells وأحد معدي استبيان التحكيم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن العديد من المشاريع الكبرى في المملكة العربية السعودية والمنطقة تعرضت لتأخيرات وتجاوزات في الميزانيات المتوقعة، نتيجة عدم وجود تصاميم ثابتة قبل التعاقد مع المقاولين، وتقديرات غير واقعية للوقت والتكلفة، إضافة إلى ضعف التواصل الفعال بين الأطراف الرئيسية في المشروع. كما أكد أن الحجم الكبير للمشاريع في المنطقة تسبب في إشكاليات داخل الشراكات التي غالبًا ما تضم شركات من ثقافات مختلفة لم يسبق لها العمل معًا.

أسباب التأخيرات وتجاوزات في الميزانيات في المشاريع الإنشائية

من جانبه، أوضح جوليان هاسلام جونز، المدير الأول في قسم النزاعات والتحقيقات بشركة Alvarez and Marsal  في دبي، أن المشاريع التي يتم تسريع وتيرتها معرضة بدرجة أكبر للنزاعات الرسمية، مؤكدًا أن التغيير في التصميم هو العامل الأكبر المسبب للنزاعات في المنطقة، حيث كشفت أبحاث الشركة أن 70% من المشاريع تتضمن مطالبات قانونية، و85% منها تتجاوز الميزانيات، بزيادة تبلغ في المتوسط 28% عن الميزانية الأصلية.

وفيما يخص التحكيم كآلية لحل النزاعات، أكد ويليام كيرتلي، الشريك المدير في Aceris Law، أن تنفيذ أحكام التحكيم في المنطقة لا يزال يثير قلقًا كبيرًا، حيث يتم رفض تنفيذ العديد من الأحكام استنادًا إلى أسباب شكلية، مثل عدم توقيع هيئة التحكيم على جميع صفحات الحكم النهائي، مشيرًا إلى أن تسريع إجراءات المحاكم المحلية أمر ضروري لضمان فعالية التحكيم.

وأشارت أنتونيا بيرت، الشريكة في قسم النزاعات التجارية الدولية بشركة Reed Smith في دبي، إلى أن تحديات تنفيذ أحكام التحكيم في المنطقة لا تزال قابلة للإدارة، لكنها تحتاج إلى مزيد من التحسين لضمان أن يظل التحكيم وسيلة فعالة لتسوية النزاعات، موضحة أن تحليلًا أجرته الشركة أظهر أن 10% فقط من أحكام التحكيم في الإمارات و6% في البحرين قد تم إلغاؤها في السنوات الأخيرة، وأكدت أن تعزيز التنسيق بين مراكز التحكيم في المنطقة ضروري لتحسين قابلية تنفيذ الأحكام على المستوى الدولي.

وترى بيرت أن التأخيرات وتجاوزات التكاليف تفاقمت في السنوات الأخيرة بفعل الوتيرة السريعة لإطلاق المشاريع الجديدة، وحجم وطموح المشاريع العملاقة، مشيرةً إلى أن المشاريع المعقدة التي تم طرحها بسرعة وبتنافسية عالية، وأدت إلى تقديم عطاءات منخفضة بصورة غير معتادة، تكون أكثر عرضة للنزاعات.

وفي سياق متصل، أكد كيرتلي أن مراكز التحكيم في المنطقة بحاجة إلى تحسين كفاءتها في التعامل مع الأطراف الأجنبية من خلال ضمان تواصل عالي الجودة باللغتين العربية والإنجليزية، واعتماد التقنيات الحديثة مثل إدارة القضايا عبر مؤتمرات الفيديو، مؤكدًا أن عدم الالتزام بهذه المعايير يعوق قدرة المراكز في المنطقة على المنافسة مع هيئات التحكيم الدولية مثل محكمة لندن للتحكيم الدولي وغرفة التجارة الدولية ومركز سنغافورة للتحكيم الدولي.

كما أوضح تيم لسترينج، المحكم والوسيط في Newman's Row في لندن، أن نتائج المسح تعكس القلق المتزايد لدى العملاء حول فعالية إجراءات التحكيم، ومدة الإجراءات وتكاليفها، مؤكدًا أن الثقة في التحكيم تعتمد على وجود محكمين ذوي خبرة قادرين على تقديم نتائج عادلة وفعالة وفي الوقت المناسب، وأن غياب هذه العناصر يؤدي إلى تآكل الثقة في النظام.

قطاع الإنشاءات في الخليج: أرقام ودلالات

يعد قطاع الإنشاءات من القطاعات الاقتصادية الرائدة في منطقة الخليج، حيث بلغت قيمته في عام 2025 نحو 178 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصل إلى 227 مليار دولار بحلول عام 2030 وفقًا لتقديرات Mordor Intelligence، مدفوعة بتراكم كبير في مشاريع النقل والبنية التحتية والعقارات السكنية والتجارية.

وفي السعودية، أشارت تقديرات Knight Frank إلى أن قيمة ناتج قطاع الإنشاءات ستصل إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2025، حيث تستحوذ المملكة على 39% من إجمالي المشاريع غير الممنوحة في المنطقة البالغة قيمتها 4 تريليونات دولار، وفقًا لتقرير صادر عن .JLL  

ختامًا، تُظهر هذه المؤشرات أن النزاعات في قطاع الإنشاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستظل حاضرة بقوة في ظل استمرار إطلاق المشاريع الضخمة والتحديات المرتبطة بالتكاليف والجداول الزمنية والاختلافات الثقافية بين الأطراف المتعاقدة، ما يستلزم تطوير منظومة التحكيم وآليات تسوية النزاعات في المنطقة لضمان استدامة واستقرار قطاع الإنشاءات باعتباره محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في السنوات المقبلة.

نقلاً عن: AGBI