بعد عام من النشاط المحدود في صفقات الاندماج والاستحواذ، يُتوقع حدوث ارتفاع ملحوظ في هذه الصفقات خلال عام 2025، وهو ما سيقود إلى زيادة النزاعات المرتبطة بها. وترجع هذه النزاعات إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: قضايا البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، ونمو الذكاء الاصطناعي (AI)، وعدم توافق التقييمات المالية.
وعادةً ما تُحال النزاعات الناشئة عن هذه الصفقات إلى التحكيم الدولي، حيث تنشأ في الغالب عن مسائل مثل الإخلال بالضمانات، أو تقديم بيانات مضللة، أو آليات الدفع المؤجل. وقد أسهمت التطورات المتلاحقة في هيكلة الصفقات في السنوات الأخيرة في تشكيل مشهد النزاعات المرتبطة بصفقات الاندماج والاستحواذ.
قضايا البيئة والمجتمع والحوكمة في صفقات الاندماج والاستحواذ
أصبحت عوامل ESG محور تركيز في الصفقات عبر العديد من الأنظمة القضائية، مدفوعة بتزايد الرقابة التنظيمية والضغوط السياسية والمتطلبات الاستثمارية. وإضافة إلى الجوانب البيئية، برزت اعتبارات حقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية كأولوية لدى الشركات ومستشاريها القانونيين.
وتشير الأبحاث التي أجرتها مجموعة بيركلي للأبحاث (BRG) إلى أن قضايا ESG تعد من المحركات الرئيسية لزيادة النزاعات في صفقات الاندماج والاستحواذ، إلى جانب التحولات الاقتصادية السريعة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
وقد أظهرت النتائج أن غالبية النزاعات المتعلقة بـ ESG ترتبط بشروط البيع (51%)، تليها قضايا وتكاليف المشاريع الخضراء في مراحل لاحقة (43% لكل منهما)، ثم قضايا خصوصية البيانات ضمن عنصر الحوكمة في ESG كما شملت المسببات الاجتماعية للنزاعات قضايا مثل المزايا الوظيفية وتكافؤ الفرص والأجور العادلة.
ومن المتوقع استمرار النزاعات المرتبطة بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، حيث إن الالتزامات البيئية مثل تلك التي أُعلنت في مؤتمر COP28 في دبي نهاية عام 2023 قد وضعت معيارًا جديدًا للمسؤولية البيئية. ومن أسباب النزاعات المحتملة الادعاءات الكاذبة بشأن ممارسات الشركات البيئية، أو ضغوط المساهمين الجدد لتنفيذ سياسات معينة أو تصفية بعض الأصول.
وبالنظر إلى حساسية قضايا ESG، يعتبر التحكيم خيارًا مفضلًا لتسوية هذه النزاعات لما يوفره من خصوصية وسرعة ومرونة، إلى جانب قدرة الأطراف على اختيار محكمين ذوي خبرة مناسبة، وسهولة تنفيذ أحكام التحكيم دوليًا، خاصة في النزاعات ذات الطبيعة العابرة للحدود.
الذكاء الاصطناعي وصفقات الاندماج والاستحواذ
يُتوقع أن يؤدي التطور السريع للذكاء الاصطناعي والزخم المحيط به إلى زيادة النزاعات في صفقات الاندماج والاستحواذ، نظرًا لاعتماد الأطراف على الذكاء الاصطناعي في عمليات العناية الواجبة والنمذجة المالية، مما قد يؤدي إلى تجاهل المخاطر أو التقديرات غير الدقيقة بسبب بيانات أو افتراضات خاطئة، مما يثير النزاعات بشأن التقييمات المالية أو أداء الشركات المستحوذ عليها.
ومن المتوقع أن تصبح الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي هدفًا للاستحواذ مع ازدياد المنافسة والضغط على الشركات الكبيرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمواكبة السوق، وهو ما سيؤدي إلى نزاعات مرتبطة بتقييم هذه الشركات ومسائل الملكية الفكرية وتوقعات الأداء بعد الاستحواذ.
كما أن اللوائح التنظيمية المتغيرة بسرعة، مثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024، ستعقد الصفقات العابرة للحدود، وتزيد من احتمالية النزاعات المرتبطة بالامتثال القانوني.
ويُفضل الأطراف في صفقات الذكاء الاصطناعي اللجوء إلى التحكيم لما يوفره من مرونة وسرية وإمكانية تعيين خبراء فنيين كمحكمين، إضافة إلى قدرة بعض مراكز التحكيم على تقديم قواعد خاصة بالنزاعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مثل قواعد مركز JAMS التي أُطلقت منتصف 2024.
اختلاف التقييمات
يعد عدم توافق التقييمات المالية من المخاطر الشائعة التي تؤدي إلى النزاعات في الصفقات، حيث يلجأ الأطراف إلى استخدام بنود الكسب المستقبلي (Earn-out) لتجاوز فجوات التقييم خاصة في الصفقات الكبرى، وهي آلية تربط جزءًا من سعر الشراء بأداء الشركة بعد الاستحواذ وفق معايير محددة مثل الأرباح أو المبيعات.
ورغم فائدة هذه البنود، فإنها قد تؤدي إلى النزاعات بسبب غموض تعريف مؤشرات الأداء أو الخلافات حول القرارات التشغيلية التي تؤثر على تحقيق الأهداف، وقد يرى البائع أن المشتري يتعمد اتخاذ قرارات تعرقل تحقيق الأهداف لتقليل المدفوعات.
لذا، ينصح بتوثيق آليات احتساب الكسب المستقبلي بشكل واضح في اتفاقيات شراء الأسهم، مع النص على إجراءات تسوية النزاعات عبر التحكيم عند نشوب أي خلافات حول هذه البنود بعد إتمام الصفقة.